کد مطلب:352960 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:255

فیما یتعلق بالخلافة
الخلافة، وما أدراك ما الخلافة! فهی التی جعلها الله فتنة الأمة وهی التی

قسمتها وأطمعت فیها الطامعین، وهی التی أهرقت فی سبیلها الدماء البریئة وهی التی كفر من أجلها مسلمون فأغرتهم وأبعدتهم عن الصراط المستقیم وأدخلتهم نار الجحیم ولا بد لنا من دراسة تكون علی اختصارها محیطة بالخفایا والملابسات التی كانت الخلافة مسرحا لها قبیل وبعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم. وأول ما یتبادر للأذهان أن الزعامة عند العرب كانت من الأمور الضروریة فی كل العصور فتراهم یقدمون رئیس القبیلة أو زعیم العشیرة علی أنفسهم فلا یبرمون أمرا دونه ولا یتخذون قرارا إلا بمشورته ولا یسبقونه بالقول. فزعیم العشیرة هذا عادة ما یكون أكبرهم سنا وأعلمهم بالأمور وأشرفهم حسبا ونسبا. ویبدوا أن هذا الرئیس یبرز من خلال الأحداث فی عشیرته ومما یظهر علیه من ذكاء وفطنة وشجاعة وعلم بالأمور وسخاء وإكرام الضیف وغیر ذلك من الخصال الحمیدة، ولكن فی أغلب الأحیان هی وراثة ولیست اختیار. ونجد بعد ذلك أن القبائل والعشائر رغم استقلالیتها فهی تخضع



[ صفحه 240]



لزعامة القبیلة الواحدة التی قد تكون أكثر عددا ومالا ولها أبطال یخوضون المعارك ویحملون بقیة القبائل تحت رعایتها ومثال ذلك قریش التی كانت تتزعم بقیة القبائل العربیة الخاضعة لها بحكم الزعامة والسیادة التی فرضتها رعایتها لبیت الله الحرام. ولما جاء الإسلام أقر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی حد ما هذا الأسلوب فی التعامل فكان یولی علی القبائل التی وفدت علیه وأقرت بالإسلام سیدهم وشریفهم لیكون والیا علیها فیصلی بهم ویجمع زكاتهم ویكون همزة الوصل بینهم وبینه. ثم إن محمدا صلی الله علیه وآله وسلم أنشأ بأمر الله سبحانه الدولة الإسلامیة التی تخضع فی كل أحكامها وقراراتها إلی ما ینزل به الوحی من الله، فكان نظام المجتمع ونظام الفرد من عقود نكاح وطلاق وبیع وشراء وأخذ وعطاء وإرث وزكاة وكل ما یخص الفرد والمجتمع فی الحرب والسلم من معاملات وعبادات كلها خاضعة إلی أحكام الله، ومهمة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم هی التنفیذ والسهر علی تطبیق تلك الأحكام. ومن الطبیعی أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كان یفكر فیمن سیخلفه فی هذه المهمة العظمی ألا وهی قیادة الأمة. ومن الطبیعی أن یهتم كل رئیس دولة (إن كان یهمه شعبه) بالشخص الذی یختاره لیكون نائبه فی كل المهمات التی یكون هو غائب عنها فیكون وزیره الأول والمقرب الذی یحضر إذا یغیبون ومن الطبیعی أیضا أن یكون نائبه معلوما لدی كل الوزراء وعند الشعب أیضا. فلا یمكن أن یصدق العقل بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أغفل كل ذلك ولم یهتم به ولا شك بأنه كان شغله الشاغل، ولا شك بأن الأحادیث المتعلقة بالموضوع خضعت للحصار الذی ضربه الخلفاء الذین كانوا یتزعمون نظریة الشوری والذین عملوا بكل جهودهم لمعارضة النصوص التی عینت وشخصت الخلیفة وكان من هذه الجهود أیضا الطعن



[ صفحه 241]



بقداسة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم واتهامه بالهجر، ثم الطعن فیه وفی الأمیر الذی ولاه قیادة الجیش بدعوی أنه لا یصلح للإمارة والقیادة لصغر سنة، ثم التشكیك فی وفاة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم حتی تضطرب الأمور، ولا یسبق الناس عامة لبیعة الخلیفة الذی عینه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قبل، ومن تلك الجهود، اغتنامهم فرصة اشتغال علی وأنصاره بتجهیز النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وعقد مؤتمر السقیفة الطارئ، واختیار من یرضونه وترتاح نفوسهم إلیه وتعقد آمالهم علیه، ثم حمل الناس عامة علی البیعة بالتهدید والتندید والوعد والوعید، ثم إقصاء المعارضة كلیا عن الساحة السیاسیة، ثم الوقوف بحزم وصرامة ضد كل من تحدثه نفسه بشق عصا الطاعة أو شكك فی شرعیة الخلافة الجدیدة، ولو كانت فاطمة بنت النبی صلی الله علیه وآله وسلم. ثم ضرب الحصار والمنع البات علی الأحادیث النبویة الشریفة عامة، حتی لا تتفشی النصوص بین الناس وتضطرب الأمور، ولو أدی ذلك للاغتیال الفردی والقتال الجماعی لإخماد المعارضة بدعوی القضاء علی الفتنة مرة والردة أخری. كل ذلك عرفناه من خلال ما كتبه المؤرخون، وإن كان بعضهم یحاول تغطیة الحقیقة بوضع بعض الروایات المتناقضة أو بعض التأویلات والاعتذارات التی كشفت خفایاها الأیام والأحداث والأبحاث. وقد یكون بعضهم معذورا، لأنه أخذ معلوماته من المصادر الأولی التی كتبت تحت التأثیر السیاسی والاجتماعی الذی خلفته الفتنة الكبری وما أعقبها من أحداث عندما استولی بنو أمیة علی الخلافة وأغدقوا الأموال والمناصب علی بعض الصحابة والتابعین المأجورین. فأخذ بعض المؤرخین من هؤلاء لحسن ظنه بهم، وهو لا یعلم خائنة الأعین وما تخفی الصدور، فاختلطت الروایات الصحیحة بالروایات المكذوبة، وأصبح من العسیر علی الباحث الوصول إلی الحقیقة. ولتقریب القارئ الباحث من هذه الحقیقة، لا بد من إثارة وطرح هذه



[ صفحه 242]



الأسلة حتی یكتشف من خلالها أو من خلال الإجابة علیها بعض الحقائق أو بعض الإشارات التی توصله إلی الحقیقة.